منتدى أسود الونشريس
حللت أهلا و نزلت سهلا، إذا كنت زائرا لمقامنا فيشرفنا أن تنضم إلينا بالتسجيل في منتديات أسود الونشريس أما إذا رغبت بتصفح المنتدى فاختر القسم الذي تريد مع تمنياتنا لك بقضاء وقت طيب

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى أسود الونشريس
حللت أهلا و نزلت سهلا، إذا كنت زائرا لمقامنا فيشرفنا أن تنضم إلينا بالتسجيل في منتديات أسود الونشريس أما إذا رغبت بتصفح المنتدى فاختر القسم الذي تريد مع تمنياتنا لك بقضاء وقت طيب
منتدى أسود الونشريس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشعر الحر تاريخه ونشأته

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

الشعر الحر تاريخه ونشأته  Empty الشعر الحر تاريخه ونشأته

مُساهمة  الأستاذ بريان الخميس ديسمبر 13, 2012 4:53 pm


بسم الله الرحمن الرحيم
الشعر الحر تاريخه أنواعه خصائصه
مقدمة
إن الشعر تعبير فني، وله خصوصيته التي تميزه عن بقية الأنواع الأدبية. والسلف يصنفون الشعر في الآداب فحسب، ويشعرون في لفتاتهم النقدية بأنه فن جميل، ويتسع مدى معرفتهم بعلاقته بأحد فروع الفنون الجميلة، وهو فرع الموسيقى .
وتطور العلم البشري، واكتسب التصنيف العلمي دقة وتمحيصاً، فأدخلت الأنواع الأدبية - بما فيها الشعر- في الفنون الجميلة.
وبما أن الجمال هو أعم ما يُصنف فيه الشعر: فإن علم الجمال ونظرياته هو أساس قيم الشعر النقدية .
ومن أهم هذه العلاقات ما لم تتم هوية الشعر إلا به، وذلك هو المدد الموسيقي للشعر.
فالشعر قدرة على الأداء الجميل لأي مضمون .
والمضمون إرادة سلوكية فحسب تكون بالشعر وبالكلام العادي .
والتفريق بين المضمون والشكل تفريق لغوي، وتفريق تجربة بشرية .. إنه تفريق مثلاً بين
وإذا أراد الشاعر أن يعبر بلغة عربية، فمن شرط إرادته أن يحقق الصفة لشعره بأن يكون عربياً .
والموسيقى جزء مهم من ماهية الشعر، وليس من الضروري أن تكون تلك الموسيقية هي معهودنا التراثي التاريخي ، فسلب الشعر موسيقيته تغيير لهوية الشعر، والخلط بين المتغايرات ليس من لغة العلم، ولا من سلوك عصر يحترم التخصص!.
والجمود على المعهود الموسيقي تعطيل للملكة، وانصراف عن مسار جمالي يكتسب منه الشعر وجودة المعتبر.
إذن لابد من الانطلاق بالشعر إلى مجاله الجمالي الأرحب المتدفق، لتكون عناصر التجديد للموسيقى في ذاتها عناصر تجديد في الشعر .
وقد صارت الموسيقى هذا اليوم ذات ألحان (كوبليهات)، وكان الموسيقار يتلطف في الانتقال من كوبليه بأنغام تدريجية حتى لا يصدم مشاعر الأذن، فاقتضى الأمر أن تلبي القصيدة هذا المطلب.
إن الشعر فرع من فروع شجرة الفنون، إذ أن الشعر والتصوير والموسيقى جميعا فروع متآخية لهذه الشجرة.
إلا أن للتصوير والموسيقى قواعد خاصة ، أما الشعر، فلا، وهذا يجعلنا نحكم على الشعر بأذواقنا، ليس بمعايير وقواعد ثابتة، اللهم إلا من عناصر الشعر الأساسية. فالشاعر لا يجسم الصورة في وضع معين، بل هو يحركها في أوضاع مختلفة تسعفه في ذلك لحظات الزمن المتتابعة التي يصور فيها صورته وهي صورة تنبض بالحياة وبالعواطف البشرية، ليس صورة جامدة.
والشاعر لا يعرض الجمال المادي بل يعرض أثره فيه، فيعمد إلى التشبيه والاستعارة والإثارة بطرق مختلفة ، فهو يستعين بما يثير فينا من انفعالات، بموسيقى تنبع من اختيارات الشاعر لكلماته وما بينها من تلاؤم في الحروف والحركات، وهذه الموسيقى هي التي تنقل أحوال الشاعر الوجدانية وخواطره النفسية.
يعتمد الشعر على عناصر جمة، أهمها : الوزن والقافية، وذلك في كل أنواع الشعر العربي: القديم والموشح والحديث أي المرسل.
وقد حاول البعض الإبتعاد عن القافية في العصر الحديث، فوضع توفيق البكري قصيدة بدون قافية وسماها "ذات القوافي" ثم تلاه الزهاوي وعبدالرحمن شكري ، فألفا غير قصيدة من هذا النمط المرسل، ولكن ذلك أثبت فشله لأنه شذوذ على أذواق العرب ، ولأنه يصدم الأذان إذ تتخالف النعمات في الأبيات. . فلم تستسغ الأذواق العربية هذا الضرب الجديد من الشعر لأنه يفقده لذة السماع كما يفقدها لذة القراءة. لذلك انصرف عنه الناس وانصرف الشعراء أنفسهم عنه، فقد ثبت فشله فشلا ذريعا. . وفي هذه الأثناء كان مطران والمازني والعقاد يقومون بمحاولات جديدة لا تستمر فيها القافية استمرارا ولا تلغى كل الإلغاء، بل تلتزم في مقطوعات متساوية قد تكون بيتين أو أكثر مع اتحاد الوزن، وبذلك توسط المجددون بين الشعر المرسل والشعر المقفى، فأرضوا الأذن من جهة وطوعوا القصيدة من جهة ثانية لأن تطول.
فقد صاحب ذلك بروز أنماط أدبية خرجت على عمود الشعر الخليلي باسم قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر أولا، ثم القصيدة النثرية أو الشعر المنثور أو النثر المشعور.. إلى آخر الأنماط التي تصدرت الساحة الأدبية مؤخراً دون أن تكسب شرعية الشعر العمودي أو تتفوق عليه شعبية.
ويؤخذ على الطريقة الحديثة هذه، أنه ينبغي أن لا ينتهي معه الانسجام الموسيقى التام ولا التماسك الصوتي وإلا كان هذا الشعر ضربا جديدا من النثر، ولم يكن شعرا بأي شكل من الأشكال.
ومن عناصر الشعر أيضا (غير الوزن والقافية) ما يكمن فيه مهارة الشاعر وذلك بملائمته الدقيقة بين ألفاظه ومعانيه بحيث لا يطغى فيها جانب على الآخر ، فليجدد شعراؤنا في مضمون قصائدهم كما يريدون ، ولكن ، ليصوغو ذلك في صياغة تروق القارئ أو بعبارة أدق: ليكن من أهم أهدافهم أن لا يقعوا بعيدا عن الصياغة الفنية.
إن المشاعر والمعاني والألفاظ والإيقاعات الموسيقية تتولد في نفس الشاعر وتنبثف فيها وحدة تعمها من بداية القصيدة إلى نهايتها في توازن دقيق وسياق محكم.
الشعر الحر
لم تقف حركة التطور الموسيقية للقصيدة العربية عند حدود التحرر الجزئي من قيود القافية ، بل تخطتها إلى أبعد من ذلك ، فقد ظهرت محاولة جديدة وجادة في ميدان التجديد الموسيقى للشعر العربي عرفت :
" بالشعر الحر " .
وكانت هذه المحاولة أكثر نجاحا من سابقتها كمحاولة الشعر المرسل ، أو نظام المقطوعات ، وقد تجاوزت حدود الإقليمية لتصبح نقلة فنية وحضارية عامة في الشعر العربي ، ولم يمض سنوات قلائل حتى شكل هذا اللون الجديد من الشعر مدرسة شعرية جديدة حطمت كل القيود المفروضة على القصيدة العربية ، وانتقلت بها من حالة الجمود والرتابة إلى حال أكثر حيوية وأرحب انطلاقا .
وبدأ رواده ونقاده ومريدوه يسهمون في إرساء قواعد هذه المدرسة التي عرفت فيما بعد بمدرسة الشعر الحر ، ومدرسة شعراء التفعيلة أو الشعر الحديث ، وفي هذا الإطار يحدثنا أحد الباحثين قائلا " لقد جاءت خمسينيات هذا القرن بالشكل الجديد للقصيدة العربية ، وكانت إرهاصاتها قد بدأت في الأربعينيات ، بل ولا نكون مبالغين ( إذا قلنا ) في الثلاثينيات من أجل التحرك إلى مرحلة جديدة ، مدعاة للبحث عن أشكال جديدة في التعبير ، لتواكب هذا الجديد من الفكر المرن ... وقد وجدت مدرسة الشعر الحر الكثير من المريدين ، وترسخت بصورة رائعة في جميع البلدان بدءا ( بالملائكة والسياب والبياني ) في العراق في الأربعينيات ، ثم ما لبثت هذه الدائرة أن اتسعت في الخمسينيات فضمت إليهم شعراء مصريين آخرين مثل صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى حجازي ، وفي لبنان ظهر أحمد سعيد ( أدونيس ) وخليل حاوي ويوسف الخال ، وكذلك فدوى طوقان وسلمى الخضراء الجيوسي في فلسطين ، أما في السودان فقد برز في الأفق نجم كل من محمد الفيتوري وصلاح محمد إبراهيم .
مسميات الشعر الحر وأنماطه :
لقد اتخذ الشعر الحر قبل البدايات الفعلية له في الخمسينيات مسميات وأنماطا مختلفة كانت مدار بحث من قبل النقاد والباحثين ، فقد أطلقوا عليه في إرهاصاته الأولى منذ الثلاثينيات اسم " الشعر المرسل " " والنظم المرسل المنطلق " ranning blank veres
و " الشعر الجديد " و " شعر التفعيلة " أما بعد الخمسينيات فقد أطلق عليه مسمى " الشعر الحر " ومن أغرب المسميات التي اقترحها بعض النقاد ما اقترحه الدكتور إحسان عباس بأن يسمي " بالغصن " مستوحيا هذه التسمية من عالم الطبيعة وليس من عالم الفن ، لأن هذا الشعر يحوى في حد ذاته تفاوتا في الطول طبيعيا كما هي الحال في أغصان الشجرة وأن للشجرة دورا هاما في الرموز والطقوس والمواقف الإنسانية والمشابه الفنية .
أما أنماطه فهي أيضا كثيرة وقد حصرها ( س . مورية ) في دراسته لحركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الحديث في خمسة أنماط من النظم أطلق عليها جميعا مصطلح الشعر الحر فيما بين عامي 1926 م ـ 1946 م وها هي بتصرف .
النمط الأول :استخدام البحور المتعددة التي تربط بينها بعض أوجه الشبه في القصيدة الواحدة ، ونادرا ما تنقسم الأبيات في هذا النمط إلى شطرين . ووحدة التفعيلة فيه هي الجملة التي قد تستغرق العدد المعتاد من التفعيلات في البحر الواحد أو قد يضاعف هذا العدد وقد اتبع هذه الطريقة كل من أبى شادي ومحمد فريد أبي حديد .
النمط الثاني : وهو استخدام البحر تاما ومجزوءا دون أن يختلط ببحر آخر في مجموعة واحدة مع استعمال البيت ذي الشطرين ، وقد ظهرت هذه التجربة في مسرحيات شوقي .
النمط الثالث : وهو النمط الذي تختفي فيه القافية وتنقسم فيه الأبيات إلى شطرين كما يوجد شيء من عدم الانتظار في استخدام البحور ، وقد اتبع هذه الطريقة مصطفى عبد اللطيف السحرتى .
النمط الرابع : وهو النمط الذي يختفي فيه القافية أيضا من القصيدة وتختلط فيه التفعيلات من عدة بحور ، وهو أقرب الأنماط إلى الشعر الحر الأمريكي ، وقد استخدمه محمد منير رمزي .
النمط الخامس : ويقوم على استخدام الشاعر لبحر واحد في أبيات غير منتظمة الطول ونظام التفعيلة غير منتظم كذلك ، وقد استخدم هذه الطريقة كل من علي أحمد باكثير وغنام
والخشن .
وهذا النمط الأخير من أنماط الشعر الحر التي توصل إليها موريه هو فقط الذي ينطبق عليه مسمى الشعر الحر بمفهومه بعد الخمسينيات ، والذي نشأت أولياته على يد باكثير ـ كما ذكر موريه ـ ومن ثم أصبحت ريادته الفعلية لنازك الملائكة ومن جاء بعدها ، ولتأكيد هذا الرأي نوجز مفهوم الشعر الحر في أوائل الخمسينيات وجوهره ونشأته ودوافعه وأقوال بعض النقاد والباحثين حوله .
مفهوم الشعر الحر :
تقول نازك الملائكة حول تعريف الشعر الحر ( هو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ويكون هذا التغيير وفق قانون عروضي يتحكم فيه ) .
ثم تتابع نازك قائلة " فأساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم على وحدة التفعيلة والمعنى البسيط الواضح لهذا الحكم أن الحرية في تنويع عدد التفعيلات أو أطوال الأشطر تشترط بدءا أن تكون التفعيلات في الأسطر متشابهة تمام التشابه ، فينظم الشاعر من البحر ذي التفعيلة
الواحدة المكررة أشطراً تجري على هذا النسق :
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
... ويمضي على هذا النسق حرا في اختيار عدد التفعيلات في الشطر الواحد غير خارج على القانون العروضي لبحر الرمل جاريا على السنن الشعرية التي أطاعها الشاعر العربي منذ الجاهلية حتى يومنا هذا .
ومن خلال التعريف السابق تؤكد نازك ما توصل إليه موريه في النمط الخامس من أنماط الشعر الحر الذي أشرنا إليه سابقا والذي يعتمد على البحر الواحد في القصيدة مع اختلاف أطوال البيت وعدد التفعيلات ، مع تعديل يسير في تعريف موريه وهو أن تضع كلمة شطر بدلا من كلمة بيت ليستقيم التوافق مع مفهوم الشعر الحر بعد الأربعينيات لأن كلمة بيت تعني التزام نظام الشرطين المتساويين في عدد التفعيلات والروي الواحد ، وهو النظام المتبع في القصيدة التقليدية بشكلها الخليلي ، والشعر الحر الذي يعنيه موريه ليس كذلك .
وقد أشار الدكتور محمد مصطفى هدارة إلى نظام التفعيلة في الشعر الحر وعدم التزامه بموسيقى البحور الخليلية فقال : " إن الشكل الجديد ( أي الشعر الحر ) يقوم على وحدة التفعيلة دون التزام الموسيقى للبحور المعروفة ، كما أن شعراء القصيدة الحرة يرون أن موسيقى الشعر ينبغي أن تكون انعكاسا للحالات الانفعالية عند الشاعر .
ومما سبق تتضح لنا طبيعة الشعر الحر ، فهو شعر يجري وفق القواعد العروضية للقصيدة العربية ، ويلتزم بها ، ولا يخرج عنها إلا من حيث الشكل ، والتحرر من القافية الواحدة في أغلب الأحيان . فالوزن العروضي موجود والتفعيلة ثابتة مع اختلاف في الشكل الخارجي ليس غير ، فإذا أراد الشاعر أن ينسج قصيدة ما على بحر معين وليكن " الرمل " مثلا استوجب عليه أن يلتزم في قصيدته بهذا البحر وتفعيلاته من مطلعها إلى منتهاها وليس له من الحرية سوى عدم التقيد بنظام البيت التقليدي والقافية الموحدة . وإن كان الأمر لا يمنع من ظهور القافية واختفائها من حين لآخر حسب ما تقتضيه النغمة الموسيقية وانتهاء الدفقة الشعورية .
وإنما الشطر هو الأساس الذي تبنى عليه القصيدة ـ وقد رأى بعض النقاد أن نستغني عن تسمية الشطر الشعري بالسطر الشعري ـ وله حرية اختيار عدد التفعيلات في الشطر الواحد وذلك حسب الدفق الشعوري عنده أيضا ، فقد يتكون الشطر من تفعيلة واحدة ، وقد يصل في أقصاه إلى ست تفعيلات كبيرة " كمفاعلين ومستفعلن " ، وقد يصل إلى ثمان صغيرة إذا كان البحر الذي استخدمه الشاعر يتكون من ثماني تفعيلات صغيرة كفعولن وفاعلن ، غير أن كثير من النقاد لم يحدد عدد التفعيلات في الشطر الواحد ، وإنما تركت الحرية للشاعر نفسه في تحديدها كما أسلفنا " وفقا لتنوع الدفقات والتموجات الموسيقية التي تموج بها نفسه في حالتها الشعورية المعينة " .
أما من حيث القافية فيحدثنا الدكتور عز الدين إسماعيل قائلا : " فالقافية في الشعر الجديد ـ بباسطة ـ نهاية موسيقية للسطر الشعري هي أنسب نهاية لهذا السطر من الناحية الإيقاعية ومن هنا كانت صعوبة القافية في الشعر الجديد وكانت قيمتها الفنية كذلك ... فهي في الشعر الجديد لا يبحث عنها في قائمة الكلمات التي تنتهي نهاية واحدة ، وإنما هي كلمة
" ما " من بين كل كلمات اللغة ، يستدعيها السياقان المعنوي والموسيقي للسطر الشعري ، لأنها هي الكلمة الوحيدة التي تضع لذلك السطر نهاية ترتاح النفس للوقوف عندها .
ومع أن الشاعر الذي يكتب قصيدة الشعر الحر ، يمكنه استخدام البحور الخليلية المفردة التفعيلات والمزدوجة منها على حد سواء إلا أن البحور الصافية التفعيلات هي أفضل البحور
التي يمكن استخدامها وأيسرها في كتابة الشعر الحر ، لاعتمادها على تفعيلة مفردة غير ممزوجة بأخرى حتى لا يقع الشاعر في مزالق الأخطاء العروضية ، أو يجمع بين أكثر من بحر في القصيدة الواحدة .
والبحور الصافية التفعيلات هي : التي يتألف شطرها من تكرار تفعيلة واحدة ست مرات كالرمل والكامل والهزج والرجز والمتقارب والمتدارك . كما يدخل ضمن تلك البحور مجزوء الوافر " مفاعلتن مفاعلتن " . وهذا ما جعل نازك الملائكة تقرر بان الشعر الحر جاء على قواعد العروض العربي ، ملتزما بها كل الالتزام ، وكل ما فيه من غرابة أنه يجمع الوافي والمجزوء والمشطرور والمنهوك جميعا . ومصداقا لما نقول أن نتناول أي قصيدة من الشعر الحر ، ونعزل ما فيها من مجزوء ومشطور ومنهوك ، فلسوف ننتهي إلى أن نحصل على ثلاث قصائد جارية على الأسلوب العربي دون أية غرابة فيها .
جوهر الشعر الحر :
أما جوهره فهو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية للواقع التي تعيشه الإنسانية المعذبة .
فالقصيدة الشعرية إنما هي تجربة إنسانية مستقلة في حج ذاتها ، ولم يكن الشعر مجرد مجموعة من العواطف ، والمشاعر ، والأخيلة ، والتراكيب اللغوية فحسب ، وغنما هو إلى جانب ذلك طاقة تعبيرية تشارك في خلقها كل القدرات والإمكانيات الإنسانية مجتمعة ـ كما أن موضوعاته هي موضوعات الحياة عامة ، تلك الموضوعات التي تعبر عن لقطات عادية تتطور بالحتمية الطبيعية لتصبح كائنا عضويا يقوم بوظيفة حيوية في المجتمع . ومن أهم تلك الموضوعات ما يكشف عما في الواقع من الزيف والضلال ، ومواطن التخلف والجوع والمرض ، ودفع الناس على فعل التغيير إلى الأفضل .
نشأة الشعر الحر :
تقول نازك الملائكة " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 م في العراق ، ومن العراق ، بل من بغداد نفسها ، وزحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله ، وكادت بسبب الذين استجابوا لها ، تجرف أساليب شعرنا الأخرى جميعا ، وكانت أولى قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي المعنونة " الكوليرا " ، تم قصيدة " هل كان حبا " لبدر شاكر السياب من ديوانه أزهار ذابلة ن وكلا القصيدتين نشرتا في عام 1947 م .
عير أن نازك وغي مقدمة كتابها " قضايا الشعر المعاصر " الذي نقلنا منه النص السابق ، تعترف بأن بدايات الشعر الحر كانت قبل عام 1947 م فتقول : " في عام 1962 م صدر كتابي هذا وفيه حكمت بأن الشعر الحر قد طلع من العراق ، ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي ، ولم أكن يوم قررت هذا الحكم أدري أن هناك شعرا حرا قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947 م ، سنة نظمي لقصيدة " الكوليرا " ، ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والكتب منذ سنة 1932 م ، وهو أمر عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين ، لنني لم أقرأ بعد تلك القصائد من مصادرها ، وإذا بأسماء غير قليلة ترد في هذا المجال منها اسم على أحمد باكثير ، ومحمد فريد أبي حديد ، ومحمود حسن إسماعيل ، وعرار شاعر الأردن، ولويس عوض وسواهم .
وعبثا تحاول نازك بعد أن ايثقنت أن أوليات الشعر الحر لم تكن لها ، وذلك باعترافها الذي دوناه سابقا ـ أن تجعل موطن الشعر الحر هو العراق ـ وإن كان ذلك لا يؤثر لا من قريب ولا من بعيد على نشأة أي عمل أدبي أن يكون من العراق ، أو من مصر ، أو من الحجاز ، أو غيرها من أقطار الوطن العربي ، وإنما الغرض هو تصحيح مسار النشأة وتاريخها ليس غير ـ فتقول نازك " ثم أن الباحث الدكتور أحمد مطلوب قد أورد في كتابه النقد الأدبي الحديث في العراق قصيدة من الشعر الحر عنوانها " بعد موتي " نشرتها جريدة العراق ببغداد سنة 1921 م تحت عنوان النظم المطلق ، وفي تلك السن المبكرة من تاريخ الشعر الحر لك يجرؤ الشاعر على إعلان اسمه ، وغنما وقع ( ب ن ) " ثم تذكر نازك جزءا من القصيدة ، وتعقب قائلة : " والظاهر أن هذا أقدم نص من الشعر الحر " ، وقد أحسنت نازك عندما قالت ( والظاهر أن هذا أقدم نص من الشعر الحر ، لأنها حينئذ لم تجزم بأقدمية النص ، وبالفعل أثبتت الدراسات الأدبية بأن هذا النص لم يكن أقدم نص ، وإنما هناك ما هو أقدم منه إن لم يكن في نفس الحقبة الزمنية . ـ وسوف نتحدث عن ذلك النص الشعري في موضعه عند حديثنا عن الشعر الحر عن الشعراء السعوديين إن شاء الله .
ثم تحاول نازك مرة أخرى نفي تلك البدايات ن فتطرح سؤالا تبرز من خلال إجابته أن تلك البدايات غير موفقة ، أو لم تخضع لشروط ومواصفات معينة سنعرفها فيما بعد ، فتقول : " هل نستطيع أن نحكم بأن حركة الشعر الحر بدأت في العراق سنة 1921 م ، أو أنها في مصر سنة 1923 م .
وبالفعل أن ما توصلت إليه نازك من خلال إجابتها بنفسها على سؤالها المطروح آنفا يؤكد من جانبها نفي الحكم عن بدايات تلك الحركة ، لأنها لم تنطبق عليها الشروط التي رسمتها لفاعلية تلك الأوليات ، ومن هنا احتفظت نازك لنفسها بفضل السبق في ولادة الشعر الحر عام 1947م ، وكأن ما ولد قبل ذلك كان خداجا ، ولم يستوف مدة الحمل التي حددتها السيدة نازك لمثل هذه البدايات الفنية .
أما الشروط التي فرضتها لتطبيقها على تلك الأوليات هي : ( بتصرف )
1 ـ أن يكون ناظم القصيدة واعيا إلى أنه قد استحدث بقصيدته أسلوبا وزنيا جديدا .
2 ـ أن يقدم الشاعر قصيدته تلك أو قصائده مصحوبة بدعوة إلى الشعراء يدعوهم فيها إلى استعمال هذا اللون في جرأة وثقة .
3 ـ أن تستثير دعوته صدى بعيدا لدى النقاد والقراء .
4 ـ أن يستجيب الشعراء للدعوة ، ويبدؤوا فورا باستعمال اللون الجديد .
وبتلك الشروط الآنفة تنفي نازك البدايات الأولى للشعر الحر سواء أكانت في العراق سنة 1921 م أو في مصر سنة 1932 م ، لأنها لم تنطبق على تلك الأعمال الشعرية ، والتي تعتبر الإرهاصات الأولى للشعر الحر . كما أن نازك بهذه الشروط كأنها نصبت نفسها حاميا ومقننا للشعر الحر ، فما تجاوز منه هذه الشروط التي لا تمت لفنيات القصيدة بصلة لا يعد منه .
وإذا كانت هذه الشروط التي وضعتها نازك باختيارها الشخصي لم تنطبق على الأعمال التي أشارت إليها بنفسها ن هل يعني هذا أن نسلم أن بدايات الشعر الحر لك يكن لها وجود قبل عام 1947 م ، وهو التاريخ الذي حددت فيه نازك البداية الفعلية لهذا اللون من الشعر ؟
إن الإجابة على هذا السؤال ـ في رأيي ـ تحتاج إلى وقفة متأنية ، لأن نازك عندما قررت تلك البداية لم تطلع على الأعمال الشعرية الأخرى لشعراء آخرين غير التي اطلعت عليها في الشعر الحر قبل عام 1947 م ، ولها في ذلك عذر ، لأنه حينئذ ليس من اليسير على الإنسان أن يكون على علم كامل بكل ما أنتجه الشعراء ، أو الأدباء في حقبة زمنية ليست بالقصيرة ، وعلى اتساع أقطار العالم العربي ، في فترة كانت وسائل الإعلام والنشر أعجز مما أن تؤدي مهمتها بنجاح ، وإن كان الأمر يتطلب بعدم الجزم في مثل هذه الأحوال ـ بأن الساحة الأدبية خلو تماما من أمثال هذه الأعمال الأدبية ، وهذا ما وقعت فيه نازك عندما ظنت أنه لم يسبقها إلى هذا العمل أحد من الشعراء ، فأصدرت حكمها وأطلقته ، وقررت أن البدايات الفعلية للشعر الحر كانت في العراق ن ومن بغداد بالذات عام 1947 م .
وبعد هذا العرض المفصل لنشأة الشعر الحر ، إن ما نريد الوصول إليه أن السيدة نازك الملائكة قد حكمت وأطلقت الحكم وعممته دون ترو منها ، لأن هناك بدايات غير التي أشارت إليها أيضا ، وإن كانت هذه البدايات لم تحفل باهتمامها ، أو لم تنطبق عليها شروطها ، فإن هذه البدايات ربما تكون ذا شأن في تحديد نشأة الشعر الحر تحديدا فعليا ، ويحسم الموقف ، على الرغم بأننا لا نريد أن نجزم بأنها قد تكون البداية الأولى أيضا فنطلق الحكم ونعممه ، ونقع فيما وقعت فيه نازك ، لن التاريخ ربما يثبت غير ذلك فيما بعد .
ـ خصائص قصيدة الشعر الحر / شعر التفعيلة
مقارنات بين قصيدة الشعر القديم
والشعر الحر وقصيدة النثر

د.عدنان الظاهر
أولاًـ خصائص الشعر القديم/شعر الوزن والقافية(بحور الفراهيدي).
1ـ تلتزم القصيدة بصرامة مستلزمات الوزن والقافية.
2ـ وتبهضها الديكورات الفخمة من بيان وبديع وجناس وطباق ومجاز واستعارة ولا تخلو من الحكمة والمواعظ وغيرها من أفكار فلسفية .
3ـ قوافيها مضبوطة الحركات إلا ما ندر. فتسكين القوافي أمر غير مستساغ في عمود الشعر العربي, بل وقد يعتبر دليلا على ضعف الشاعر. الشعر إيقاع وحركة تعودتهما الأذن منذ عشرات القرون .
4ـ عدا عن إمكانية تجويز تسكين القوافي (وهو من الحلال البغيض, وهو سكون خارجي), فلا تسكين على الإطلاق في كلمات البيت الشعري الأخرى. لا سكون في داخل البيت. فالداخل يعج ويضج بشتى أنواع الحركات من رفع ونصب وجر.
5ـ يكاد وضوح القصيدة في المعنى والإشارة والاستعارة والمجاز أن يكون كاملا أو شبه كامل. فالأبيات فرادى والقصيدة ككل مفضوحة المقاصد والأغراض لا تستر نفسها إلا في القليل من الحالات (أقصد هنا الشعر الصوفي).
6ـ يمكن اختزال القصيدة بحذف بعض أبياتها التي تكرر معاني قيلت في أبيات أخرى دون أن يؤثر الأمر على مجمل سياق القصيدة معنى وقصدا.
7ـ الحقبة الزمنية/عمر القصيدة، يدعي المؤرخون، أن امرأ القيس كان أول من قال الشعر وأول من قيد القوافي وأبد الأوابد. أي أن هذا الشعر قد ولد قبل الإسلام بقرنين من الزمان...- إذا صح أن الشاعر امرأ القيس عاش في تلكم الحقبة من الزمن - واستمر معمرا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية (1945). عمر طويل ولكن التغيرات التي طرأت عليه قليلة وجد بطيئة. مع نهاية هذه الحرب واجهت البشرية عصرا جديدا وعالما جديدا وثورة في العلوم النظرية والتطبيقية وقفزة جبارة غير مسبوقة في عالم الألكترونيات وأجهزة الاتصال وباقي منجزات التكنولوجيا الحديثة.
8ـ القصيدة ملزمة بقيود ثقيلة شديدة وأحكام صارمة لا تقبل نقاشا أو مساومة. لا وجود هنا لحرية التصرف بالشكل. كانت دوما مرآة صادقة لمراحل تاريخية منوعة من بداوة ورعي وزراعة وإقطاع ثم عهد الرأسمالية التي نعرف.
9ـ غارقة بإنجازات الفكر وسيطرة العقل الواعي وطغيان سطوة الرقيبين الداخلي (الشاعر نفسه) والخارجي (الحاكم والدين والمجتمع والتقاليد).
10ـ واقعيتها صارخة ومدوية تخترق الجلد وتنفذ للعصب العميق. لا تخجل من سفورها الكامل.
11ـ كان لها أمراؤها وشعراؤها الكبار المعروفون الذين ظلوا شامخين يطاولون ويتحدون الزمن.
12ـ لها أطوارها ومراحلها المشهورة كمرحلة الشعر الجاهلي والإسلامي والأموي ثم العباسي والأندلسي و.و.و ...
13ـ تصميم بنائها ثابت الشكل, لأن التفعيلات تتغير بوتائر ثابتة في البيت الواحد, والبيت الواحد هذا يكرر نفسه وينقل إيقاع موسيقى هذه التفعيلات إلى عموم هيكل القصيدة. إيقاع ثابت، إذن يتكرر دوريا ومحدد التغير (ستاتيك) يحمل مضامين مكررة شبه ثابتة تقادم على أغلبها الزمن. على أن كل طور من أطوارها يتميز ببعض المعاني والمضامين والأغراض الخاصة.
14ـ نمو القصيدة الكمي عرضي ـ طولي لكنه ثابت بقوالب التفعيلات.
15ـ ليس هناك فراغات مكانية سواء في البيت الواحد أوفي عموم القصيدة كي يملؤها الشاعر بالنقاط. لا نقاط ولا تنقيط في القصيدة. هذا الأمر أتانا مع قصيدة الشعر الحر.
16ـ تلحن وتغنى بيسر. فهذا الأمر كثير الشيوع. شاع وانتشر منذ اقدم الأزمنة إذ رافق الغناء والطرب ومظاهر البطر والثراء. كما كان ـ وما زال ـ الوسيلة المثلى للتعبير عن الحزن والشجن. فما أكثر شعر المراثي والتعازي وطقوس البكاء.
17ـ يتذكر المرء هذا النوع من الشعر, يحفظه ويردده مع نفسه حسب مزاج الحالة الراهنة, فرحا أو حزنا, حكمة أو سخرية من أحد أو من الزمن...
ثانياً ـ خصائص قصيدة الشعر الحر / شعر التفعيلة الواحدة.
1ـ لها إيقاعها الموسيقي الخاص – تفعيلة واحدة سائدة مع بعض القوافي لتخفيف وطأة الإيقاع الواحد ودفع السأم عن أذن سامعها أو قارئها.
2ـ تتميز بالقليل من المحسنات البديعية ومظاهر الأبهة والفخامة وفذلكات الفكر والفلسفة ومواعظ الأئمة والدراويش .
3ـ أواخر الجمل والسطور والمقاطع ساكنة بشكل يكاد أن يكون مطلقا. وتلكم إحدى سمات الشعر الغربي المفروضة عليه بقوانين وطبيعة اللغات الغربية.
4ـ عدا ذلك فلا تسكين إطلاقاً في الباقي من كلمات البيت والمقطع ومجمل القصيدة.
5ـ مرامي الشعر الحر غير تامة الوضوح. والقصيدة ليست منبسطة أمام قارئها كالكف أوالسهل الممتد أمام ناظره. تترك القصيدة أبوابها مواربة بحيث يعتري البعض من جملها أو مقاطعها شيء من الغموض حينا ونصف العتمة حينا آخر. فيها غمزات وإشارات قابلة للتأويل, وتلك مزايا محببة وتستلزمها مقتضيات وأصول الفن الراقي.
6ـ لا يمكن اختزال القصيدة إلا بصعوبة. فحذف بعض أبياتها قد يسيء إلى مجمل معمار بنائها شكلا وفنا, بل وربما يهدم شموخ هذا البناء أو يشوه جمال توازنه الهندسي فيفقد القاريء القدرة على التذوق الجمالي والانسجام مع سحر الإبداع العصي بطبيعته على الفهم والتفسير.
7ـ الحقبة الزمنية/عمر القصيدة (1945 - 1990) - دشنت البشرية بعد الحرب العالمية الثانية عهدا جديدا وعصرا جديدا إذ أنهى استخدام السلاح النووي لأول مرة في تأريخ البشر (في هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين) حقبة زمنية كبرى انهارت معها الإمبراطوريات القديمة وحلت محلها الولايات المتحدة الأمريكية التي سيطرت على مسرح الأحداث في العالم بفضل ما توفر لها من إمكانيات أسطورية في مجالات العلوم والمال والتكنولوجيا والأعلام وصناعة السينما في هوليود، فانتشرت ثقافتها وساد الكثير من أنماط حياتها في الكثير من بقاع العالم وخاصة في أوساط الشباب. مع نهاية الحرب العالمية الثانية إذن كانت قد ولدت قصيدة الشعر الحر(قصيدة التفعيلة الواحدة) عاكسة جو الحرية النسبي الذي ساد العالم بعد انهيار الفاشية في ألمانيا. هي إذن مرآة عصر الذرة وغزو الفضاء والقمر والصواريخ عابرة القارات, ثم هي لسوء الحظ الابن الشرعي لحقبة الحرب الباردة التي قيل إنها انتهت حوالي عام 1990 بعد سقوط جدار برلين وانكماش المعسكر الاشتراكي وتحول الكثير من بلدانه إلى معسكر الرأسمالية. إنها إذن حقا لا مجازا قصيدة عصر الحرب الباردة شئنا ذلك أم لم نشأ!! هذه الظاهرة بحاجة إلى دراسات مستفيضة. فقصيدة الشعر الحر كانت مسرحا حيويا لتوتر الصراع بين معسكري الاشتراكية والرأسمالية, وأنقسم الشعراء العرب تبعا لذلك ما بين مناصر لهذا المعسكر أو لذاك. انفصام حضاري وثقافي وعقائدي (أيديولوجي) حاد ضرب العالم العربي من المحيط إلى الخليج.
8ـ خلافا للقصيدة القديمة, فان قصيدة الشعر الحر قد تمتعت بحظ وافر من حرية التصرف بالشكل كاستخدام تفعيلات قريبة صوتا من بعضها أحيانا بدل التقيد الصارم بتفعيلة واحدة بعينها. ثم الحرية في طول وقصر الأبيات والمقاطع, ثم إدخال الكثير من الرموز والأساطير ومصطلحات العصر والمفردات الأجنبية نظرا لسعة ثقافة شعرائها ومعرفة الكثير منهم لغات أجنبية سواء بالدراسة أو بالعيش في أوساط وبلدان غير عربية (أوربا وأمريكا مثلا). كما نشطت حركة ترجمة الأشعار الأخرى إلى اللغة العربية فأفاد منها الشعراء الشباب ليجدوا أنفسهم قريبين جدا من شعراء الأمم الأخرى ولا سيما شعراء النصف الأول من القرن الماضي حيث ترك بعضهم بصمات قوية على شعر هؤلاء الشباب. أخص بالذكر الشاعر الأسباني لوركا والشاعر الإنجليزي ت.س. اليوت والشاعر الشيلي بابلو نيرودا ثم الشاعر التركي ناظم حكمت فضلا عن شعراء فرنسا الرمزيين والسورياليين؛ رامبو وفاليري واراغون، ثم بودلير. عصر جديد ونوع جديد من الشعراء أفرزا نوعا جديدا من شعر نصف ثوري. أقول نصف ثوري لأن الدائرة ما كانت قد اكتملت بعد, ولم تنتصر الرأسمالية بشكلها الجديد وتفرض العولمة وظاهرة القطب الأوحد إلا بعد عام 1990, إذ دخلت الكرة الأرضية عصرا جديدا هو عصر الإنترنيت.
9ـ أتاح هذا الواقع والمناخ الجديد قدرا أكبر من الحرية لشعر وشعراء قصيدة التفعيلة الواحدة فتحررت جزئيا من سيطرة العقل الواعي ومن رقابة الفكر وضوابط المجتمع وأنظمة الحكم الصارمة. أجل, قد تحررت جزئيا لأن الشاعر نفسه ما كان قد نال تمام حرياته وما كان قد هضم تماما نتاجات عصره 1945 - 1990. والعالم بأجمعه كان يتهيأ بتراكم أحداث بعضها واضح وملموس والآخر غير واضح وغير ملموس لدخول عصر جديد تسود فيه دولة واحدة ونظام واحد هو نظام العولمة والقطب الأوحد أي (الرأسمالية الكونية). كان الشاعر منقسما على نفسه ويعاني من صراع حاد: قدم ما زالت ترتكز على عالم شعر بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي بينا القدم الأخرى ظلت معلقة في الهواء غير واثقة من مكانها ومن وضع هذا المكان. وكانت هذه واحدة من أبرز سمات فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى سقوط جدار برلين. لا أحد كان يدري لمن ستكون الغلبة في نهاية المطاف وأي النظامين سيسود العالم: الاشتراكية أم الرأسمالية؟؟؟
10ـ جاءت قصيدة الشعر الحر في أغلبها مزيجا مخففا ومقبولا من الواقعية والرمزية. كما رأينا دواوين شعر كاملة مخصصة للمرأة والجنس بل وحتى الجنس المكشوف كشعر الشاعر العراقي حسين مردان والشاعر السوري نزار قباني مثلا. كما لم تبتعد هذه القصيدة عن السياسة وأجوائها الصاخبة أبدا بدعوى الدفاع عن قضايا إنسانية أو أممية مرة أو عن قضايا وطنية وقومية مرة أخرى. كما احتلت قضية فلسطين مركزا متميزا في شعر الغالبية العظمى من شعراء هذه الحقبة, وكان الشاعر الفلسطيني محمود درويش وما زال فارسها المجلي.
11ـ لم تنجب قصيدة الشعر الحر شعراء كبارا من وزن أبي نؤاس وأبي تمام والبحتري والمتنبئ والمعري وغيرهم ممن قد عرفنا ودرسنا في حياتنا. فأولئك عاشوا عصورا تختلف جوهريا عن ظروف عصر قصيدة الشعر الحر. كما كانت متطلبات تلكم العصور مختلفة تماما عن متطلبات وشروط هذه القصيدة. ومع ذلك فقد برزت قلة من شعراء الشعر الحر..قلة قليلة لكنها هيهات أن تبلغ ما بلغ شعراء بحور الخليلي من مجد وعلو شأن..هيهات هيهات!! هذه الظاهرة صحيحة كذلك بالنسبة للغرب إذ لم ينجب في القرن العشرين شعراء عظاما كـدانتي وملتونوشكسبير وغوته وسواهم. 12- لم تتميز قصيدة الشعر الحر بمراحل كتلك التي مر بها شعر القصيدة القديمة (شعر بحور الخليلي). إنها قصيدة مرحلة واحدة هي في الحقيقة جد قصيرة في عمر البشر: خمسة وأربعون عاما فقط(1945 - 1990).
13ـ معمار القصيدة ذو شكل بسيط وثابت خال من الأركان والزوايا والشرفات والطوابق. فالتفعيلة الواحدة (وبعض أخواتها) غير قادرة بطبيعتها على استيعاب مستلزمات التعقيد, بل ولا تحتملها أبدا. فلكل ظاهرة في الحياة قدرات محدودة على الاستيعاب, يستوي في ذلك عالم المادة في الطبيعة والبشر والحيوان. هذه القدرات المحدودة, رغم ذلك, أفسحت المجال لإدخال مضامين جديدة أكثر تنوعا نابعة من صميم روح العصر الجديد وخاصة نتائج الثورة في مجال العلوم والتكنولوجيا.
14ـ نمو القصيدة الكمي هو الآخر عرضي - طولي لكنه غير ثابت. الشاعر غير مقيد بعدد ثابت محدود من التفعيلات يعاد رصفه مع كل بيت من أبيات القصيدة. جو القصيدة وظروف الشاعر وأحواله النفسية هي التي تحدد طول أو قصر البيت الواحد. قد يشغل البيت سطرا كاملا من الصفحة العادية أو قد يتكون من كلمة واحدة فقط. هنا يمارس الشاعر شكلا آخر من أشكال الحرية ما كان ممكنا أن يمارسه شاعر القصيدة القديمة: حرية التصرف بالمكان أفقيا. وحرية التصرف بالمكان أفقيا تمنح الشاعر ضمنا حرية التصرف بالمكان عموديا.
15ـ حرية التمدد في فضاء القصيدة المكاني أفقيا وعموديا تضع تحت تصرف الشاعر أشكالا أخرى من الحريات على رأسها حرية التصرف بالفراغات. فالفراغ حالة أخرى من حالات المادة يوظفه الشاعر لخلق شتى أنواع المؤثرات التي من شأنها إثراء الجو العام للقصيدة وتلوينها بالأوضاع المتباينة لحالات الشاعر النفسية.
16ـ قصيدة التفعيلة الواحدة لم تعرف الشيوع الذي عرفت القصيدة القديمة في مجال التلحين والطرب. بلى, غنت المطربة المصرية فائزة أحمد وغنى عبد الحليم حافظ بعض قصائد الشعر الحر للشاعر نزار قباني. وربما غنت قلة أخرى من المطربين بعض قصائد الشعر الحر، لكن ظلت السيادة شبه المطلقة لقصيدة الوزن والقافية في عالم الأنس والطرب, والسيادة المطلقة في عالم المراثي والمناحات وأحياء طقوس الكوارث الاجتماعية والدينية. لم يتورط كبار الملحنين والمطربين بتلحين أو غناء قصيدة الشعر الحر, لكنهم لحنوا وغنوا قصائد الوزن والقافية. كما غنى ألحان هذه القصائد سواهم من الفنانين. أذكر بهذا الصدد محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان. ومن العراق محمد القبانجي وعفيفة اسكندر، ثم يوسف عمر. لقد غنت هذه النخبة الممتازة من الملحنين والمغنين والمغنيات(وليس فيهن من لحنت أو جربت التلحين) الكثير من روائع شعر الوزن والقافية. لقد لحن وغنى محمد عبدالوهاب مثلا الكثير من أشعار صديقه ومتبنيه، تقريبا، أحمد شوقي, شاعر بحور الخليلي. كما غنت أسمهان مع عبد الوهاب أوبريت مجنون ليلى شعر أحمد شوقي.
17ـ وربما نتيجة لما قد سلف من الأسباب, لا يحفظ المرء قصيدة الشعر الحر ولا يرددها مع نفسه إلا فيما ندر من الحالات. الناس تحفظ الشعر المغنى إذا ما أعجبها اللحن وأجاد فيه مغنيه. وعليه فمن الجائز أن تنتشر قصيدة الشعر الحربين الناس حفظا بالتذكر والترديد إذا ما أبدع الملحنون وأجاد المغنون في أدائها. لقد حفظت عن ظهر قلب كلمات أغنيتي (رسالة من تحت الماء) و(قارئة الفنجان) بفضل جودة لحني هاتين الأغنيتين وإبداع عبدالحليم حافظ في أدائهما.
ثالثاًـ خصائص قصيدة النثر.
1ـ لا وزن فيها ولا قافية.
2ـ لا ديكورات فيها ولا توظف أيا من المحسنات البديعية ولا يخضع نمط التفكير فيها لقوانين الفكر المعروفة وأحكام المنطق السائد. الشاعر يرسم أجواء قصيدته وفق منظوماته الفكرية الخاصة وحسب متطلبات منطقه الخاص الذي يبدو للقارئ وكأنه(لا منطق) أو أنه(ضد المنطق). لكل شاعر عالمه الخاص الذي لا يضاهيه أحد فيه.
3ـ أواخر الجمل والسطور والمقاطع جميعا ساكنة من غير استثناء. 4ـ الكثير من مفردات القصيدة الداخلية قابلة للقراءة من غير حركات. سكون شبه كامل وقصيدة بلا حركات. وبهذا فإنها من بعض الوجوه شبيهة بقصائد الشعر العامي, شعر اللغة المحكية والدارجة الذي يسمى في السعودية(الشعرالنبطي). القصيدة تبدو كعالم هامد مسطح يفتقر إلى جهاز تنفسي, لأن في التنفس يتحرك الصدر إلى الجهات الأربع. حركات الأعراب في لغتنا هي حقا ومجازا عمليات تنفس تتحرك الكلمات معها وفيها فتمنحها نسمة روح الحياة ودفء دماء الجسد الحي الجارية.
5ـ القصيدة غامضة المرامي ومعتمة بشكل مطلق, لذا فإنها عصية على الفهم والتفسير,حتى على شاعرها نفسه..ربما. فهي لم توضع أصلا للتفسير والتأويل والأخذ والرد.على المرء أن يقرأها ويتمتع بما فيها من سحر وقدرة على بعث الدهشة في النفس البشرية ويتقبلها كما يتقبل لوحات بيكاسو. قف أمامها متأملا صامتا خاشعا.قف أمامها ولا تكلف نفسك مشقة السؤال لماذا وكيف. قف أمامها كما في لحظة صلاة.
6ـ لقد بينت في دراساتي عن قصيدة النثر التي نشرت في صحيفة(الزمان/لندن /العددين964 و965 بتأريخ10-11تموز2001 ثم ظهرت في كتابي الجديد(نقد وشعر وقص) الذي صدر في القاهرة عن(مركز الحضارة العربية) بينت وبرهنت أن قصيدة النثر إسفنجية البناء والتركيب والقوام,لذا فإنها قابلة للضغط والاختزال والشطب وتبديل مواضع الكلمات والجمل.إنها ملساء هشة,كالأفعى,أخطر وأضعف ما فيها رأسها.ويستوي في ذلك السام وغير السام من الأفاعي كما يعرف الجميع.
7ـ الحقبة الزمنية/عمر القصيدة:كتب ونشر بعض الشعراء وغير الشعراء قصيدة النثر منذ أزمان بعيدة. كما يجب ألا ننسى ونحن في معرض الكلام عن الزمن أن القرآن الكريم يمثل أعظم وأقدم قصيدة نثر في موروث العرب الديني والثقافي كما هو معروف.مع ذلك فإني أؤرخ العام1990عاما لبداية عصر سيادة قصيدة النثر شبه المطلقة.اجل,كانت قصيدة النثر معروفة قبل هذا العام ولكن أن تكون معروفة شيء,وأن تعتلي خشبة مسرح الشعر مكللة بغار نصر غير مسبوق..شيء آخر.لقد انتصرت القصيدة أخيرا كظاهرة ومرحلة عالمية شعرية وفنية وكتابية. انتصرت على مدرستي الشعر السالفتين: قصيدة عمود الشعر العربي ثم قصيدة الشعر الحر. وإذا كانت قصيدة الشعر الحر امتدادا و(نصف ولد شرعي حلال) للقصيدة القديمة, قصيدة الأوزان والقوافي, تحمل بعض سيمائها وشيئا من دمائها, فان قصيدة النثر لا ترتبط بأيما علاقة مع الأخيرة. إنها بالنسبة لموروثنا الشعري والثقافي مجرد (ولد سفاح) لا يعترف به قاضي الشرع.انتصرت وسادت مع انتشار وانتصار الكومبيوتر والإنترنيت والبريد الألكتروني E - MAIL. لذا فلقد أسميتها قصيدة عصر العولمة والإنترنيت, والقصيدة العابرة للقارات, وقصيدة عصر القطب الأوحد الذي أطلقت عليه في بعض كتاباتي عصر سيادة دولة (إسرائيكا), القطب الذي يسعى محموما بعد سقوط جدار برلين وانكماش المعسكر الاشتراكي عام 1990 إلى السيطرة وتأمين السيادة المطلقة على العالم. سيادة قصيدة النثر وعصرها لا تعني بالضرورة اختفاء مدرستي الشعر اللتين سبقتاها. فلقد ظلت القصيدة القديمة حية وتعايشت مع قصيدة الشعر الحر رغم سيادة الأخيرة عليها. نعم, لقد انحسرت رقعة القصيدة القديمة في بعض المحافل والأقطار العربية وقل عدد قائليها من الشعراء لكنها بقيت على قيد الحياة طيلة عصر سيادة قصيدة الشعر الحر منذ عام 1945 حتى 1990. الظواهر الاجتماعية والثقافية لا تختفي بشكل فجائي. إنها تمتد من أصول جذورها وتربة حقبتها لتجد لها مكانا مناسبا في تربة وظروف العصر الجديد. وعليها كيما تظل حية ومطلوبة أن تتكيف مع ظروف ومتطلبات الواقع الجديد. أي عليها أن تأخذ شيئا من طبائع الشعر الجديد الذي اكتسح ميدانها, أن تتخلق بأخلاق المولود الجديد. والأمر هذا صحيح ولسوف يثبت أنه صحيح بالنسبة لقصيدة الشعر الحر. أي أنها سوف لن تختفي ولسوف تبقى معافاة ومرغوبا فيها لفترات زمنية يصعب تقديرها, سواسية مع شعر بحور الفراهيدي. ثلاث مدارس لقول الشعر لا يستطيع أن يمحو بعضها البعض الآخر أبدا. لكن مدرسة قصيدة النثر ستبز ما عداها وتسيطر على المشهد الشعري العربي سيادة شبه مطلقة. إنها سنة الحركة والتطور في الحياة ولا مرد لها أبدا.
8ـ إذا كانت القصيدة القديمة محكومة بقيود الوزن والقافية والروي ونظام يتكرر دونما تغيير.وإذا كانت قصيدة الشعر الحر قد نفضت بعض هذه القيود فمارس الشعراء قدرا غير مسبوق من الحرية؛ في طول البيت وتسكين أواخر مفرداته والإكثار من استخدام النقاط وأدوات التعجب والاستفهام وإدخال المصطلحات الأجنبية والرموز والأساطير..أقول إذا كان ذلك قد اصبح أمرا واقعا فمن الطبيعي أن تجد قصيدة النثر(حفيد الفراهيدي غير الشرعي)الظرف مهيأ أمامها لتمارس ما مارسته قصيدة الحر وأن تزيد عليها أمورا في غاية الجدة والحداثة.. في ظروف وخصائص عصر العولمة واستنساخ البشر والحيوان والإنترنيت والبورنوPORNO والإيروتيكا وفوضى حريات وتعدد أشكال الجنس وانتشاره في الوسائل المقروءة والمرئية،كشوف خرافية في العالم الأصغر(الخلية الحية)والعالم الأكبر(الفضاء الخارجي).
9- تمرد مطلق على الفكر وعلى منطق قانونية اللغة وعلى السياق الزمكاني لتراتب الفعل والفاعل والمفعول به المعروف منذ نشأة العربية الأولى. حرية مطلقة في شكل القصيدة وفي مضمونها على حد سواء. فأي شكل سيتخذ الشعر بعد عصر قصيدة النثر والى أي منحى سيتجه؟؟ هل ستشهد الأجيال القادمة عصرا يقلب فيه الشعراء الفعل مفعولا والجار مجرورا وأن يجعلوا الفعل الحاضر دالا على الماضي تارة وعلى المستقبل تارة أخرى, والبذور موجودة الآن فلقد قال أحد شعراء عصرنا الراهن (فزورق الأبد مضى غدا وعاد بعد غد)؟؟ وأن يخلطوا الجنسين معا حيث لا فرق بين (هو) و(هي)؟؟ وأن يكون المفرد دالا على الجمع والجمع دالا على المفرد؟؟ وأن تعقد أخوات كان صفقات زواج مع أخوات إن؟؟ وأن تلغى ضوابط التفريق بين حرفي (الضاد) و(الظ)؟؟ لقد أصبح كل شيء جائزا في عصر العولمة والقطب الأوحد, والأتي بعدهما سيكون أشنع وأفظع وعلى الدنيا ألف سلام!!!
10ـ إذا كانت قصيدة عمود الفراهيدي صارخة الواقعية وقصيدة التفعيلة الواحدة مزيجا من الواقعية والرمزية فان قصيدة النثر سوريالية بشكل مطلق. لقد وجدت قصيدة النثر التي راجت مؤخرا بعيدة كل البعد عن منابعها الأولى. وجدتها على خلاف جذري مع أشعار رامبو وبريتون وآراغون وأشعار شعراء عرب معاصرين من أصحاب الريادة في هذا النمط من الشعر. شعراء قصيدة النثر الجدد من الشباب هم فرائد ملونة لا يشبه بعضها بعضا من حيث نوع ما يكتبون, خاصة أولئك الذين يقيمون لسبب أو لآخر خارج أوطانهم, وبشكل أخص من درس وتمكن من إحدى اللغات الأجنبية. ولأن قصيدة النثر سوريالية بشكل مطلق فأن مضامينها غير واضحة وغير محددة الهدف لذا فإنها لا يمكن أن تكون إلا بعيدة عن السياسة والقضايا الوطنية والقومية والأممية. فهذه الأمور تتطلب بطبعها فكرا واضحا وطروحات سياسية -اجتماعية معروفة ومقبولة هي في تناقض حاد مع طبيعة قصيدة النثر الغامضة والتي شطبت قوانين الفكر والمنطق وأقامت بدلا عنها قوانين فكرها ومنطقها الخاص.بلى,قد يتناول بعضهم أمورا غير شخصية لكن يتطلب الأمر بحثا ونبشا وتشريحا واجتهادات خاصة لفهم مراد الشاعر. مغامرة قد لا ترضي الشاعر وربما تسيء لشعوره.
11ـ لقد أنهت قصيدة النثر عصر القمم وكبراء وأمراء الشعر. ونعرف فيهم المتصابي والمصاب بداء العقدة النرجسية وتضخم الكبد وتصلب الشرايين إدمانا على شرب الكحول. فشاعر قصيدة النثر اليوم هو أمير على إمارة شعره الخاص, وكل شاعر مبدع هو سيد إمبراطوريته الخاصة. هم بارونات إقطاع شعري فني لا حصر ولا عد لهم. كل واحد منهم أمير وكبير يحكم مملكة عالمه الشعري بجدارة وتفرد. التعدد هو واحد من أهم وأخطر معطيات الحرية. وظاهرة عبادة الأصنام في عالم الشعر هي الوجه القبيح الآخر لظاهرة عبادة الأوثان في عالم السياسة!! من شأن عصر الإنترنيت والرأسمالية الكونية أن يزيلا الوثنيتين السياسية والشعرية.
12ـ ما دمت قد أقصرت بحثي المقارن هذا على دراسة قصيدة النثر التي عاصرت أحداث فترة ما بعد1990 وأطلقت عليها قصيدة عصر العولمة والقطب الأوحد والإنترنيت والاستنساخ والبورنو، فلا أحد يستطيع التنبؤ بما سيؤول إليه حال قصيدة النثر مستقبلا، ولا كم من الزمن سيطول بها هذا الحال. لا أحد يعرف كم ستعمر بوضعها الراهن ولا أي طابع ستتخذ وأي شكل وبناء. فلنترك هذا الأمر لنقاد المستقبل ممن سيعاصر هذه القصيدة. يكفي القول إنها الآن قصيدة مرحلة واحدة هي في الحقيقة جد قصيرة. وأن شعر ما بعد1990 مختلف جدا عن الشعر المنثور الذي قيل قبل هذا.
13ـ لعل أحد أكبر الفوارق التي تميز قصيدة النثر عما سبقها هو الشكل. فهي بلا شكل,إنها مثل حيوان الأميبا الذي يمكنه التمدد إلى كل الجهات.إنها قصيدة أميبية الشكل.وإذا كان الماء يتخذ شكل الإناء الذي يحتويه فان قصيدة النثر ماء بلا إناء!!
14ـ ولما كانت القصيدة لاتنتظم في قوالب ثابتة من التفعيلات,فان نموها في المكان هو نمو عشوائي منفلت بحيث يمكن وبسهولة أن تختلط الإحداثيات الفضائية الأفقية بالط
الأستاذ بريان
الأستاذ بريان
مشرف عام على قسم الأدب ومؤسس الموقع
مشرف عام على قسم الأدب ومؤسس الموقع

عدد المساهمات : 146
تاريخ التسجيل : 23/11/2012
العمر : 47
الموقع : أسود الونشريس

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الشعر الحر تاريخه ونشأته  Empty رد: الشعر الحر تاريخه ونشأته

مُساهمة  moussa38 الجمعة ديسمبر 14, 2012 8:43 am

جزاك الله خيرا كثيراااااا
moussa38
moussa38
نجم النادي
نجم النادي

عدد المساهمات : 443
تاريخ التسجيل : 23/11/2012
العمر : 47

https://oussoud38.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى